محمد علوّش - خاصّ الأفضل نيوز
في زيارة وُصفت بأنها أكثر من رمزية، وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت، حاملاً ملفًا لطالما اعتُبر من أكثر الملفات حساسية في العلاقة اللبنانية–الفلسطينية: ملف السلاح داخل المخيمات. وجاءت تصريحات عباس لتفتح الباب مجددًا أمام جدية – ولو جزئية – في البحث في حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ما فُهم أنه تمهيد لمسار طويل قد يبدأ بـ"ضبط" السلاح، لكن لا يُعرف إن كان سينتهي بـ"نزعه".
فما الذي تعنيه هذه المصطلحات سياسيًا وأمنيًا؟ وهل نحن أمام خطة واقعية، أم مجرد تكتيك لبناني لكسب الوقت الدولي في انتظار تسوية أكبر تشمل سلاح حزب الله، بعد انسحاب العدو الإسرائيلي من لبنان ووقف اعتداءاته اليومية؟
ما الفرق بين "حصر" و"ضبط" و"نزع" السلاح؟
حصر السلاح، بحسب مصادر سياسية متابعة، يعني إبقاء السلاح داخل المخيمات أو ضمن نقاط معروفة ومحددة، ومنع انتشاره خارج هذه الحدود، دون سحبه بالكامل، والهدف هنا هو تقليص نفوذه جغرافيًا وزمنيًا، بينما ضبط السلاح يعني تنظيم وجوده داخل المخيمات تحت إشراف جهة ضامنة قد تكون الفصائل الأساسية أو الدولة لاحقًا، ومنع استخدامه خارج "الأطر الدفاعية"، بما يشبه اتفاقًا ضمنيًا على كل ما يتعلق بالأعمال العسكرية، أما نزع السلاح فهو المرحلة النهائية والأصعب، ويعني مصادرة السلاح وتسليمه للدولة، بما في ذلك تفكيك البنية المسلحة داخل المخيمات، وهو خيار يصطدم بعقبات أمنية وسياسية وشعبية.
هل من الواقعي أن يبدأ "ضبط السلاح" منتصف حزيران؟
مصادر لبنانية وفلسطينية متقاطعة تحدّثت عن "مرحلة أولى" تبدأ منتصف حزيران المقبل، تركّز على ضبط السلاح، لا نزعه، وتقول هذه المصادر إن هناك تفاهمًا ضمنيًا مع السلطة الفلسطينية والقيادات اللبنانية، يشمل خطوات تدريجية أبرزها، إزالة المظاهر المسلحة، تسليم المطلوبين غير الفلسطينيين داخل المخيمات، منع التجول بالسلاح، وتنظيم دور الفصائل الرئيسية في حفظ الأمن الداخلي.
لكن التحدي الأكبر يبقى في تعدّد الجماعات الفلسطينية، خصوصًا الجماعات الخارجة عن السلطة، مثل "جند الشام"، و"فتح الإسلام"، وبعض الخلايا المتطرفة التي لا تخضع لأي مرجعية سياسية معروفة، ما يجعل أي التزام شامل شبه مستحيل دون تسوية أمنية–سياسية مدعومة دوليًا.
من يتولى الأمن داخل المخيمات؟
بحكم اتفاق ضمني قديم، لا تدخل القوى الأمنية اللبنانية إلى المخيمات، باستثناء حالات خاصة جدًا، ويُترك الأمن للفصائل الفلسطينية. لكن هذا النموذج بات هشًا بعد التفجيرات والاشتباكات الأخيرة، وجرى حديث عن تشكيل لجنة أمنية مشتركة لبنانية -فلسطينية تشرف على تطبيق "ضبط السلاح"، بمواكبة استخباراتية من الجيش اللبناني، وربما بغطاء من جهات دولية أو عربية ضامنة، لكن الدخول الكامل للدولة إلى المخيمات سيبقى معقّدًا بحسب المصادر السياسية، طالما لا توجد خطة نزع سلاح شاملة، أو توافق سياسي وغطاء فلسطيني جامع.
كذلك تدرك الدولة اللبنانية أن أي محاولة جديّة لمعالجة ملف السلاح، يجب أن تقترن بخطوات لتحسين واقع الفلسطينيين داخل المخيمات، وهو ما طالبت به جهات فلسطينية وازنة، خصوصًا في ملفات العمل من خلال تعديل القوانين التي تمنعهم من العمل في مهن عديدة، الضمان الاجتماعي والصحي، الملكية، وهذه نقاط ستكون معقدة وصعبة وأقل من قدرة الدولة المادية من جهة، والسياسية من جهة ثانية لأن بعض الخطوات يمكن وضعها في إطار الخطوة الأولى في عملية توطين الفلسطينيين.
تؤكد المصادر أن بدء العمل على معالجة سلاح المخيمات يُظهر جدية لبنانية في تطبيق القرارات الدولية، ولو جزئيًا، وقد يُستخدم كورقة لبنانية لتحسين شروط التفاوض أو الحوار مع المجتمع الدولي، وكسب وقت ثمين في ملف سلاح حزب الله.
بمعنى آخر، الدولة اللبنانية تراهن على أن إظهار نية جدية لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني سيمنحها هامش مناورة دبلوماسيًّا، وتجميد الضغوط الغربية المباشرة تجاه سلاح حزب الله إلى حين تبلور تسوية أكبر تشمل الإقليم برمّته.