منال زعيتر - خاص الأفضل نيوز
تعيش المنطقة لحظة مفصلية تُنذر بتحولات استراتيجية كبرى، مع تصاعد التوتر الإسرائيلي والأميركي مع الإيراني، وتزايد المؤشرات على اقتراب مواجهة عسكرية محتملة، فإجلاء الولايات المتحدة لأسر دبلوماسييها وعسكرييها من الخليج والعراق، وتحذيرات بريطانيا لسفنها بالابتعاد عن المنطقة، كلّها رسائل غير مباشرة تُظهر أن العدّ التنازلي ربما بدأ بالفعل نحو مواجهة غير مألوفة.
التحذيرات الأخيرة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي اتهمت إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، جاءت بضغط غربي واضح، تمهيدًا لمرحلة أكثر حدّة في التعاطي مع الملف النووي الإيراني.
وفي الوقت الذي تلوّح فيه طهران برفع مستوى التخصيب إلى ما هو أبعد من 60%، تتقاطع هذه التطورات مع تحركات سياسية وأمنية غير مسبوقة، أبرزها الاجتماع المرتقب في عمّان بين واشنطن وطهران، والذي يوصف بالجولة "المصيرية".
الولايات المتحدة، تجد نفسها أمام مفترق طرق حاد: إما المضي نحو صفقة "تحفظ ماء الوجه" لكلا الطرفين، أو الانزلاق نحو مواجهة عسكرية ستكون مدمّرة، وغير مضمونة النتائج...
إيران، من جهتها، لا تزال تلعب ورقة التخصيب كورقة ضغط أساسية، محاولة فرض معادلة جديدة تُبقي لها حقًا سياديًا في التخصيب لأهداف مدنية، بينما تسعى واشنطن إلى "تصفير" هذا البرنامج بالكامل، خوفًا من اقترابه من عتبة تصنيع السلاح النووي.
لكن أخطر ما في المشهد هو فقدان السيطرة الغربية على وتيرة التصعيد الإسرائيلي، فرغم أن أي ضربة إسرائيلية للمنشآت الإيرانية لن تنجح دون غطاء أميركي، فإن الحسابات الإسرائيلية الداخلية، ورغبة نتنياهو في تأمين مكاسب سياسية وشخصية، قد تدفعه إلى مغامرة غير محسوبة، وهنا تصبح واشنطن مضطرة إما إلى كبح الجموح الإسرائيلي أو التورط معه في حرب شاملة.
وإذا كانت طهران لا تبحث عن الحرب، فإنها لا تخشاها أيضاً، بل تستعد لها مدعومة بشبكة حلفاء إقليميين يجعلون أي ضربة ضد منشآتها ثمنها باهظًا... الكلام التصعيدي الإيراني على أعلى المستويات إضافة إلى كشف طهران عن الوثائق النووية التي استولت عليها من العدو الإسرائيلي ليس مجرد تصريح استعراضي، بل يعكس قناعة استراتيجية بأن إيران قادرة على الردع والحرب معًا.
لكن ما يُضعف الموقف الإيراني في حال اندلاع الحرب كما تسرب مصادر مقربة منها هو غياب الغطاء الدولي العملي، إذ أن الدعم الروسي-الصيني لا يتعدى التصريحات والمواقف السياسية، بينما على الأرض تبقى موسكو منشغلة بأوكرانيا، وبكين لا ترغب في صدام مباشر مع واشنطن.
في حين أن الرؤية الخليجية، وإن بدت حكيمة في دعوتها لخفض التوتر، إلا أنها عاجزة عن التأثير في القرار الأميركي، تمامًا كما هي عاجزة عن منع الرد الإيراني المحتمل على القواعد الأميركية في حال اندلاع الحرب.
في المحصلة، المنطقة الآن أمام سيناريوهين:
السيناريو الاول: صفقة تحفظ ماء وجه الطرفين بتجميد مؤقت للتخصيب مقابل رفع جزئي للعقوبات.
السيناريو الثاني: ضربة إسرائيلية محدودة للمفاعلات النووية، تتبعها سلسلة ردود إيرانية على القواعد الأميركية في الخليج، واستهداف السفن في مضيق هرمز.