د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
على الموعد، وفي كلّ ليلة، ينتظر سكان المنطقة العربية المحاذية للكيان الغاصب، وتحديدًا في لبنان وفلسطين المحتلّة، الصواريخ الإيرانية المتجهة نحو تل أبيب والمدن الإسرائيلية، وهي تُشكّل مع نظيراتها الاعتراضية التي يُطلقها العدوّ الصهيونيّ لحماية نفسه ومنشآته العسكريّة، لوحةً فنيّةً ـــ تُزيّنها الأضواء وألسنة اللهب المُشتعلة ـــ يتمّ تبادلها لحظة بلحظة بين ملايين المواطنين، مصحوبة في الغالب بأجواء من الفرح والابتهاج كردّ فعلٍ عفويٍّ ثأريٍّ على الجرائم التي ارتكبها وما زال يرتكبها الاحتلال في كلٍّ من غزّة ولبنان وسوريا واليمن.
لكن مهلاً، ثمّة سؤالٌ رئيسيٌّ يتبادر إلى أذهان الكثيرين في الشرق والغرب، ومفاده: كم من الوقت يستطيع كلّ طرفٍ أن يصمد؟ أما الإجابة عن هذا السؤال فقد تُحدّد مدة استمرار هذا الصراع.
تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية للترسانة الصاروخية الإيرانية
مع دخول الحرب الدائرة يومها السادس، قدّر مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيليّة، بحسب صحيفة "الواشنطن بوست"، أنّ إيران كانت تملك حوالي ٢٠٠٠ صاروخٍ قادرٍ على قطع مسافة ١٢٠٠ ميل (حوالي ١٩٠٠ كلم) للوصول إلى أهدافٍ في إسرائيل. وكشف هؤلاء أنّ جزءًا كبيرًا من هذه الترسانة دُمِّر فور تنفيذ عناصر الاستخبارات الإسرائيليّة السريّين في إيران، بالتنسيق مع سلاح الجوّ الإسرائيلي، هجومًا مفاجئًا فجر الجمعة ١٣ الجاري، والذي أشعل فتيل هذا الصراع.
وعليه، ومنذ ذلك الحين، يقول مسؤولون عسكريّون إسرائيليّون إنّ إيران أطلقت ما يقارب ٤٠٠ صاروخٍ من مخزونها المتبقّي، بعدما دمّرت الغارات الإسرائيليّة ١٢٠، أو ثلث منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية.
كما أعلن المسؤولون الإسرائيليّون الاثنين الفائت، أنّهم حقّقوا تفوّقًا جويًا فوق طهران قبل الموعد المحدد، آملين بذلك أن يُحدّوا بشكلٍ أكبر من قدرة القوات الإيرانية على إطلاق الصواريخ.
وتبعًا لذلك، يزعم المسؤولون الصهاينة، أنّ شدّة وابل الصواريخ الإيرانية قد انخفضت بشكلٍ حادّ. فبعد إطلاق أكثر من ١٥٠ صاروخًا في الليلة الأولى من الصراع، أطلقت إيران وابلًا من ١٠ صواريخ فقط بعد ظهر الثلاثاء الماضي.
وتعقيبًا على ذلك، قال فابيان هينز، المحلّل العسكري في المعهد الدوليّ للدراسات الاستراتيجيّة: "على إيران أن تُجري حساباتٍ بالغة الصعوبة، لأنّ لديها عددًا محدودًا من الصواريخ، وبالنظر إلى معدل إطلاقها، لا يمكنها تجديد مخزونها فورًا". وأشار هينز إلى أنّه حتى الـ١٥٠ صاروخًا التي أُطلقت ليلة الجمعة، كانت أقلّ من الـ٢٠٠ صاروخٍ التي أطلقتها إيران على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول ردًا على اغتيال إسرائيل لقادة حماس وحزب الله.
لكن مهلاً، فالقصة لم تنتهِ عند هذا الحدّ، فللمحلّلين الإسرائيليّين كلامٌ آخر، إذ يُحذّر هؤلاء من أنّ أكثر من نصف ترسانة إيران ما زالت سليمة، وقد يكون هناك كمية غير معروفة من الصواريخ مخبّأة في مستودعاتٍ تحت الأرض.
وماذا عن قدرات الردع الإسرائيلية؟
في الواقع، بعيدًا عن الأيام العصيبة التي تعيشها إسرائيل هذه الأيام نتيجة الدمار الكبير الذي تُلحقه الصواريخ الإيرانية بالمنشآت والبُنى التحتيّة الإسرائيليّة، المدنية منها والعسكرية، فإنّ عمليات الردع والدفاع تُكلّفان ثمنًا باهظًا لتل أبيب.
ولهذه الغاية، أوردت صحيفة "ذا ماركر"، وهي صحيفة مالية إسرائيلية رائدة، أنّ تكاليف الدفاع الصاروخي تصل إلى مليار شيكل في الليلة الواحدة، أي ما يعادل حوالي ٢٨٥ مليون دولار. وبناءً على ذلك، يقول المراقبون إنّ حرب استنزافٍ طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران ربما لا تكون ممكنة ــ على الأقل في ظلّ وتيرتها الشديدة الحالية.
أكثر من ذلك، نقلت "الواشنطن بوست" عن مصدرٍ مطّلعٍ على تقييمات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية (رفض الكشف عن هويّته نظرًا لحساسية المسألة)، قوله: إنّه بدون إمداداتٍ من الولايات المتحدة أو مشاركةٍ أكبر من القوات الأميركية، فإنّ إسرائيل قادرة على الحفاظ على دفاعها الصاروخي لمدة ١٠ أو ١٢ يومًا إضافيًا إذا استطاعت إيران الاستمرار بوتيرة هجماتٍ ثابتة.
ويُضيف المصدر، أنّه في وقتٍ مبكر من هذا الأسبوع، قد لا تتمكن أنظمة إسرائيل إلا من اعتراض نسبةٍ أقل من الصواريخ نظرًا لضرورة ترشيد الذخائر الدفاعيّة.
ويستطرد قائلًا: "سيتعيّن عليهم اختيار ما يريدون اعتراضه. النظام مُثقَل بالفعل".
وفي السياق ذاته، أكّد تال إنبار، خبير الصواريخ الإسرائيلي المنتسب إلى تحالف الدفاع الصاروخي في ولاية فيرجينيا، أنّه في عام ٢٠١٤، سعت إسرائيل إلى وقف إطلاق نارٍ مع حركة حماس قبل أيامٍ من نفاد صواريخ الاعتراض الخاصة بها.
وأضاف إنبار أنّ مستوى مخزون صواريخ الاعتراض موضوعٌ حساسٌ للغاية في إسرائيل، لكنه "قد يكون عاملًا في التوصّل إلى وقف إطلاق نار" هذه المرة أيضًا.
مكوّنات نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي
في الواقع، تستخدم إسرائيل نظام دفاعٍ جويٍّ متعدّد الطبقات، يتألف من "القبة الحديدية" الشهيرة التي تعترض الصواريخ منخفضة الارتفاع؛ فضلًا عن نظامي "ديفيدز سلينغ" و"آرو"؛ بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الصاروخي الباهظة الثمن "باتريوت" و"ثاد"، المقدّمة من الولايات المتحدة.
ولهذا، قال الخبير إنبار إنّ "مشكلة إسرائيل تكمن في اعتمادها الكبير على نظام (آرو) المكلف نسبيًا، والذي يُطلق صواريخ تبلغ تكلفة الواحدة منها ٣ ملايين دولار، للتصدي لهجمات إيران". ويُشير إلى أنّه "بينما تُعدّ صواريخ القبة الحديدية الرخيصة والمصنّعة بكمياتٍ كبيرة فعّالةً ضدّ الصواريخ البسيطة التي تُطلقها (حماس)، فإنّ نظام القبة الحديدية غير فعّال تمامًا، مثل (إطلاق طلقة مسدس ٩ ملم) على الصواريخ الإيرانية الثقيلة التي تخترق الغلاف الجوي الخارجي بسرعاتٍ تفوق سرعة الصوت عدّة مرات"، على ذمّة إنبار.
وفيما تنفي إسرائيل أن تكون أيٌّ من الصواريخ الإيرانية قد أصابت مقرّ الموساد مباشرة، إذ سقطت، على حدّ قولهم، على بُعد مئات الأمتار، لكن وسائل إعلام أميركية تكشف أنّ أحدها وقع داخل معسكر "موشيه دايان"، وهو موقعٌ مجاور، يستضيف مقرّ الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والوحدة ٨٢٠٠، الرائدة في استخبارات الإشارات في إسرائيل.
الجدير بالذكر، حتى أمس -الثلاثاء، صرّحت الحكومة الإسرائيلية بأن ٣٥ صاروخًا فقط من أصل ٤٠٠ صاروخ أطلقتها إيران، أصابت أهدافها. لكن المُثير للسُخرية أن المشاهد الآتية من تل أبيب تكذّب هذه الادعاءات، وتؤكد العكس، والدليل حجم الدمار غير المسبوق الذي خلفته الصواريخ الإيرانية، التي أدخلت فجر اليوم أنواعًا جديدة منها في المعركة.
في المحصّلة:
بعد تصريحات ترامب الأخيرة عن السيطرة على الأجواء الإيرانية، وإشارته إلى مكان المرشد السيّد علي خامنئي، يحبس سكان منطقة الشرق الأوسط أنفاسهم، خوفًا من دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب، لأنّه حينها، ستُفتح أبواب الجحيم على مصراعيها، ولن يكون أمام الأطراف أيّة ضوابط أو حدود. من هنا، ندعو الله أن يحمي لبنان والمنطقة من كافة الشرور والأخطار الصهيونية.