طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
هي الحرب الأخيرة، فإما تدفع إسرائيل قدمًا على طريق الزوال ومعها كل المشاريع الأميركيّة ـ الغربية في المنطقة، وإما ستسقط هذه المنطقة بكاملها في القبضة الأميركيّة الإسرائيليّة، وفي الحالتين سيتغير وجه الشرق الأوسط قولًا وفعلاً...
هذه الحرب مستمرة ولن توقفها وساطات من هنا أو هناك مهما تعددت وتكاثرت، وهي حرب دفعت إليها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن الخطأ الاعتقاد بأن رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو تصرف بمفرده من دون تنسيق مع ترامب، وهو اعترف كيف أن ترامب شارك في حملة التضليل والخداع التي سبقت الهجوم الإسرائيليّ المباغت على إيران فجر ذلك الجمعة فيما كانت تستعد لجولة المفاوضات السادسة مع الأميركيين في سلطنة عُمان الأحد الفائت.
وهذه الحرب أيضاً وأيضًا، وخلافًا لأي شيء آخر، كانت مقررة مسبقًا ضمن المشروع الأميركي ـ الإسرائيليّ لإقامة شرق أوسط جديد تكون عاصمته "إسرائيل الكبرى" من النهر إلى البحر على أرض فلسطين التاريخية، بل إلى أبعد من ذلك بعد تصفية القضية الفلسطينية نهائيًّا بقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتشريد من ينجو منهم إلى مصر والأردن وغيرهما، واستكمال مخططات التطبيع والإخضاع ليشمل ما تبقى من دول عربية ما تزال خارج "نادي الدول المطبِّعَة"..
ولكن في انتظار أن تنتهي الحرب، تتعدد السيناريوهات والقراءات والتوقعات في شأن مآلاتها وانعكاساتها على مستقبل المنطقة:
ـ أولًا، أن في هذه الحرب يريد الأميركيون والإسرائيليون إنهاء "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، لأنهم يعتبرون أنه يشكل "خطرًا وجوديًّا" على إسرائيل، ويرون أن هذا المحور الذي تلقى ضربات موجعة في لبنان وغزة يترنح ولم ينقص لسقوطه بكامله بعد إلا توجيه ضربة قاضية لرأس حربته إيران، بذريعة أنها أوشكت على تصنيع القنبلة الذرية، فيما القاصي والداني يعرف أن البرنامج النووي هو برنامج سلمي، وسلميته تحصنها فتوى شرعية للمرشد الأعلى للجمورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي تحرم عسكرة هذا البرنامج.
فإذا استطاع الأميركيون والإسرائيليون إلحاق هزيمة ساحقة بإيران فإنهم سيخضعون المنطقة كلها لمشيئتهم وهيمنتهم، معتقدين أنهم كانوا قد أرهبوها بداية بحروبهم الجهنمية في غزة ولبنان، وها هم يحاولون إرهابها مجدّداً من خلال هجومهم الجهنمي على إيران، الذي يريدون من خلاله إفهام دولها بأنها ستلقى مصير إيران ولبنان وغزة إن حاول أي منها مقاومة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي.
ـ ثانيا، أن إيران ومحورها يخوضان الحرب في مواجهة الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل على أساس أنها حرب وجود، لمنعهما من السيطرة على المنطقة وإنهاء القضية الفلسطينية ومعها كل القضايا العربية المحقة والعادلة، وبالتالي السيطرة على كل ثروات المنطقة وخيراتها وإخضاع شعوبها للمشاريع الأمبريالية التي ما كانت يومًا لمصلحة أي شعب في هذه المنطقة والعالم منذ ما قبل عهود الانتداب واغتصاب فلسطين.
ولذلك تخوض إيران وحلفاؤها الحرب على أساس "خرج الإيمان كله إلى الشرك كله"، وهي حرب لن تكون هناك مساومة فيها، "فإما النصر أو الشهادة".
لأن المساومة قد تحقق للأميركيين والإسرائيليين هدفهم لإسقاط النظام في إيران وتسقط معه كل الأنظمة وحركات المقاومة المتصدية للمشاريع الأميركية والإسرائيلية، والدليل إلى ذلك التهديد الأميركي ـ الإسرائيليّ باغتيال المرشد خامنئي، الذي يراد منه، إن حصل، زعزعة النظام الإيراني وإسقاطه.
والملاحظ حتى الآن أن مواقف روسيا والصين وغيرهما من الدول لم تظهر دعمًا واضحًا لإيران، بل تتسم بشيء من الخجل، فالصين تدعو إلى وقف الحرب حتى لا تكون لها أي تأثيرات على المنطقة فيما روسيا ومعها تركيا تبديان الاستعداد للتوسط بين إيران وإسرائيل على الرغم من إدراكهما أن طهران لا يمكنها القبول بأي تفاوض مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل التي ينادي الإيرانيون منذ انتصار ثورتهم بزوالها لأنها "غدة سرطانية"، وكذلك ينادون بـ"موت أميركا" التي سماها الإمام الخميني "الشيطان الأكبر"، وقد أشارت الأحداث المتلاحقة في المنطقة والعالم ولا تزال تشير إلى أنه لم يكن مبالغًا في هذه التسمية.
ويعول الإيرانيون وحلفاؤهم على التضامن الواسع العربي والإسلامي مع إيران ما مكنها من احتواء العدوان عليها حتى الآن، فهذا العدوان الذي حصل في ظل المفاوضات الأميركيّة ـ الإيرانية، أعطى طهران شرعية تقديم الحساب لإسرائيل المعتدية عليها وعدوة العرب والمسلمين في ظل الحرص على تجنيب المنطقة الحرب الشاملة.
وتقول أوساط ديبلوماسية أن لدى إيران أوراقًا كثيرة لم تلعبها بعد، ومنها قدرتها على إغلاق المضائق والتأثير على سعر النفط العالمي، فضلًا عن قدرتها على استهداف القواعد الأميركيّة في المنطقة، وقد جاءت مباشرتها بقصف إسرائيل بصواريخ متطورة وغير تقليدية بالتزامن مع التلويح الأميركي بالتدخل المباشر في الحرب إلى جانب تل أبيب، لتشكل رسالة غير مباشرة لواشنطن من عواقب تدخلها إذا حصل.
ويبقى أن الحرب مستمرة إلى أمد غير معلوم، وتطورها مفتوح على احتمالات شتى منها أن تبقى محصورة بين طهران وتل أبيب أو تتوسع لتشمل المنطقة كلها في حال نفذت الولايات المتحدة الأميركيّة تهديدها بالتدخل في ظل دعوتها إيران إلى "الاستسلام" كما قال ترامب.