نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
لنتصور إسرائيل من دون المعطف الأميركي، سياسياً، وعسكرياً، وتكنولوجياً. دولة وتذروها الرياح مثلما تذروها الأيام.
حقاً كيف لدولة تعتمد في أمنها الاستراتيجي وحتى في وجودها، على قوة خارجية أن تذهب في جنونها الدموي إلى الحد الذي يجعلها تقيم إما فوق الجماجم أو بين الجماجم؟
الأيام الحالية أيام هائلة
الشرق الأوسط كله داخل الإعصار. وراء الضوء أن بنيامين نتنياهو أصيب بثلاث صدمات، منذ اندلاع الحرب في إيران.
الأولى إبلاغه من رئاسة الأركان عجزها عن الوصول إلى مفاعل فوردو الذي يعتبر رأس البرنامج النووي الإيراني، والفشل في اغتيال آية الله خامنئي، ثم سقوط السيناريو الذي أعده الموساد لتفجير الشارع الإيراني بالصورة التي تفضي إلى انهيار النظام من الداخل.
من هنا كانت دعوة ناحوم غولدمان، وهو أحد آباء الدولة، كما أنه من مؤسسي المنظمات اليهودية الدولية، لتحويل إسرائيل إلى فاتيكان يهودي لأن الأخذ بالخط الإسبارطي في صياغة المسار الاستراتيجي للدولة، وفي منطقة تتقاطع فيها العواصف الأمبراطورية، والقبلية، يعني السقوط في الهاوية.
الدولة ـ الأداة التي تم استحداثها غداة الحرب العالمية الثانية، ومع هبوب الحرب الباردة، لتكون السكين في الخاصرة العربية، والذراع الحديدية لحماية المصالح الغربية في المنطقة، ولكن بخلفية توراتية احترفت صناعة الدم، قبل أن نلاحظ كيف تحولت العلاقة بين واشنطن وتل أبيب إلى علاقات عضوية يمكن أن تتعدى العلاقة الإيديولوجية أو الاستراتيجية.
السناتور الجمهوري لندسي غراهام رأى فيها النجمة رقم واحد على العلم الأميركي، وإلى الحد الذي حمل السناتور اليزابت وارن على التساؤل ما إذا كان البيت الأبيض قد تحول إلى مستوطنة إسرائيلية، بعدما رأى كثيرون في الكابيتول الهيكل الثالث.
هكذا نرى القس جو هاغي، رئيس منظمة "مسيحيون من أجل إسرائيل" يدعو إلى إحراق الشرق الأوسط (الحريق النووي) إذا ما احتفظ آيات الله بالبرنامج النووي الذي، في رأيه، تم بناؤه فقط لتدمير الدولة العبرية، ليرى في الفلسطينيين بقايا الغزاة الذين ينبغي اجتثاثهم من "أرض الميعاد"، وليجد أن هذا هو الوقت المثالي لطرد الأغيار (الغوييم) وإقامة إسرائيل الكبرى، ليكتمل العقد المقدس بين يهوه وبني إسرائيل.
في نظره أن يهوه هو الذي أمر نتيناهو بشن تلك الحروب التي لولاها لأصاب الدولة اليهودية ما أصاب المملكة اليهودية، عقب وفاة الملك سليمان، في نهاية الثلث الأول من القرن العاشر قبل الميلاد.
لكأن معركة بنيامين نتنياهو هي معركة دونالد ترامب الذي كاد يأمر الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الوسطى، والمأخوذ بشخصية نتنياهو، بأن يأمر طائرات "بي ـ 2" التي تحمل قنابل بوزن 15 طناً، بتدمير مفاعل فرودو الذي تقول المعلومات أنه أقيم في أعماق أحد الجبال، وأن الوصول إليه يتم عبر نفق حلزوني طويل، ما يحول دون أي قنبلة تلقى من الجو وتدمره، مع العلم أن هذه هي المرة الأولى التي يبلغ فيها الخلاف بين الجنرالات في البنتاغون ذلك المستوى من الحدة حول الدخول في حرب قد تؤدي إلى تكرار التجربة الأفغانية، والتي انتهت على ذلك النحو الفضائحي.
وإذ اعتبرت دورية "Foreign affairs " أن الإمساك بالشرق الأوسط أقرب ما يكون إلى الإمساك بكرة النار، كونه المنطقة التي تقع "بين هذا العالم والعالم الآخر"، يلاحظ أن معلقين أميركيين آخرين يتحدثون عن سياسة التعمية التي تنتهجها حكومة نتنياهو لحجب الأنظار عن حجم الدمار المروع الذي لحق بأنحاء مختلفة من الدولة، ودون أن تمنع حدوث تصدعات سيكولوجية مروعة لدى الرأي العام الإسرائيليّ الذي اعتاد على أن تكون الحروب على أراضي الآخرين لا في عمق الأراضي الإسرائيليّة.
في هذا السياق تلاحظ الحملة على مواقع التواصل الإسرائيليّة ضد دونالد ترامب لأنه تراجع عن توجيه ضربة عسكرية ساحقة إلى إيران كان يفترض أن يكون موعدها مساء الأربعاء، وصف بالمتقلب، وبالمزاجي، وبراقص الفالس الغبي.
مثلما المشهد في منتهى الضبابية هو في منتهى الخطر.
ترامب أبلغ قادة عربًا أنه ما زال يراهن على الاتفاق بشقيه السياسي والتقني، وأنه إذا ما تدخل عسكرياً فهذا من أجل احتواء بنيامين نتنياهو الذي قد لا يتورع عن استخدام الصواريخ النووية، بالتالي تحويل الشرق الأوسط إلى نسخة عن الجحيم ما دام ذلك يتيح له البقاء على العرش اليهودي.
هذا لا يعني أن الرجل لن يتدخل إذا ما لاحظ أي تدهور في الوضع الإسرائيليّ، على الأقل بسبب النقص في القنابل، كما في الصواريخ الاعتراضية، ودون أن يبقى سراً أن رئيس الحكومة الإسرائيليّة لم يكن ليشن العملية العسكرية إلا بعدما وافق ترامب على كامل السيناريو الخاص بالتنفيذ، والذي يلحظ تدخل أميركا في الوقت المناسب، كون إنهاء الحكم في إيران ضرورة استراتيجية للأمن العالمي.
كلام من المؤرخة اليهودية الأميركية آفيفا تشومسكي "أيها السيد ترامب، لا تدع بنيامين نتنياهو، في سياساته المروعة، يقود اليهود، ويقودنا إلى الهولوكوست ". ولكن ألا يفكر الرئيس الأميركي بإنهاك الإسرائيليين والإيرانيين سوية، بالصورة التي تقودهم، دون أسنان، إلى ردهة المفاوضات.
نستذكر نظرية ريتشارد هولبروك في البلقان حول ثنائية الحقيبة والدبابة.
لا منتصر في مثل هذه الحرب
عادة تولد الصفقات الكبرى من رحم الأزمات، أو الصراعات الكبرى. لكن نتنياهو لم يشعل تلك النيران المجنونة لكي يطفئها.
القرار لم يعد له..