طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
بعد أن توقفت الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية على إيران تتدافع الأسئلة المطروحة في كل الأوساط اللبنانية والإقليمية والدولية، وأبرزها: هل توقفت الحرب فعلًا ولن تتكرر؟ أم أن ما جرى كان جولة ستتبع جولات؟
وأنت توقفت فعلًا فمن سيكون التالي بعد إيران دولاً أو جماعات على الأجندة الحربية الأميركية ـ الإسرائيلية؟ وهل التالي هو لبنان أم سوريا أم العراق أم اليمن في ظل الحرب المفتوحة على قطاع غزة التي لم تكتب لها نهاية بعد منذ عملية طوفان الأقصى في سبعة تشرين الأول 2023؟
في الأوساط الرسمية والسياسية اللبنانية عمومًا توقعات تشير إلى أن اليمن سيكون التالي بعد إيران على أجندة تل أبيب واشنطن، إذ كان المراد من الحرب على إيران أن تكون ختام هذه الأجندة في اعتبارها رأس حربة محور المقاومة، ولكن بعدما عجزت واشنطن وتل أبيب عن تحقيق هدفهما سحق هذا الرأس وتغيير وجه الشرق الأوسط كما تطمحان، عاد اهتمامهما ليتركز على ما تسميانه "أذرع إيران" في المنطقة ومنها حركة "أنصار الله" الحوثية التي ما تزال تدك تل أبيب بصواريخها من حين إلى آخر قبل الحرب على إيران وخلالها وبعدها طالما أن الحرب على غزة لم تتوقف بعد.
لكن هذه الأوساط الرسمية والسياسية تتوقع عبر"موقع "الأفضل نيوز" أن يكون لبنان أيضاً مجدّداً على الأجندة الأميركية الإسرائيلية من خلال تصعيد الضغوط عليه في مسألة نزع سلاح المقاومة (أي سلاح حزب الله كما تقول واشنطن وتل أبيب) حتى ولو وصل الأمر حد عودة إسرائيل إلى شن عدوان واسع على لبنان، وهذا التصعيد ربما يكون التأسيس له قد بدأ الطرح الأميركي الجديد الذي حمله الموفد توماس براك أخيراً وتمثل في أن تحدد السلطة اللبنانية برنامجاً زمنيًّا محددًا وقصيرًا لنزع سلاح "الحزب" في وقت سُرّبَ طرحٌ لقيط تداوله بعض الأوساط السياسية، يقول بأن يتم نزع السلاح بخطوات متتالية ومتزامنة بينه وبين الانسحاب الإسرائيلي من المناطق الجنوبية التي ما تزال محتلة من التلال الخمس وغيرها بحيث ينجز الأمر "خطوة مقابل خطوة".
وفي هذا الإطار استوقف الأوساط السياسية الإعلان الأخير للرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن تسليم الحزب التقدمي ما لديهم من أسلحة للجيش اللبناني قبل ثلاثة أسابيع بعد تجميعه "في مكان ما" في المختارة، متمنّيًا "إذا كان هناك من حزب لبناني أو أحزاب غير لبنانية تمتلك السلاح أن يجري تسليمه بالشكل والطريقة المناسبتين للدولة لأن السلاح يجب أن يكون بيدها وحدها".
موضحًا أن هذا السلاح المسلم "أتى تدريجيًا بعد أحداث 7 أيار 2008 أثناء التوتر بين "حزب الله" والحزب التقدمي الاشتراكي".
وقد وجدت هذه الأوساط السياسية في هذا الإعلان الجنبلاطي ما يعكس مجموعة حقائق أبرزها:
ـ أولًا، أثبت جنبلاط أن كل الأحزاب يمينًا ويسارًا وليس حزب الله وحده ما يزال تمتلك ترسانات من الأسلحة المتنوعة القديمة والجديدة وربما تكون قد سلمت قسمًا ضئيلاً منه للدولة عام 1992 أو باعته للخارج لحسابها الخاص خلافًا لقرار مجلس الوزراء يومها بحل المليشيات وتسليم سلاحها للدولة. والجميع يذكر أن كل الأحزاب أعلنت التزامها به.
ـ ثانيا، أن خطوة جنبلاط ليست عادية وإنما تنطوي على أبعاد وخلفيات تتصل مباشرة أو مداورة بموضوع نزع سلاح حزب الله، أي سلاح المقاومة الذي يضغط الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون وإسرائيل بشدة هذه الأيام على السلطة اللبنانية لكي تقدم عليه. ولذلك فإن هذه الخطوة الجنبلاطية قد تكون الغاية منها دفع بقية الأحزاب لتسليم أسلحتها وصولًا إلى إحراج حزب الله وإخراجه ليسلم سلاح المقاومة، في ظل استمرار إسرائيل في احتلالها وفي اعتداءاتها اليومية بدعم "الضمانات الأميركية" المعطاة لها والتي مكنتها من التفلت من التزام وقف الأعمال الحربية حتى يصل الأمر في النهاية للقول للحزب "أن جميع الأحزاب قد سلمت أسلحتها ولم يعد لديك من مفر إلا اللحاق بالركب.
ـ ثالثا أن الخطوة الجنبلاطة تلاقي بنحو أو آخر الضغوط الأميركية والغربية والإسرائيلية التي تمارس على السلطة اللبنانية مشفوعة بمواقف بعض القوة السياسية الداخلية لنزع سلاح الحزب سريعًا وبالتالي إنهاء وجود المقاومة من دون حاجة إلى وضع استراتيجية للدفاع الوطني يتحدد من خلالها مصير هذا السلاح ودوره في رد الاعتداء على لبنان من جانب إسرائيل أوغيرها.
ـ رابعاً، أن جنبلاك بخطوته المفاجية يخلط بين سلاح الأحزاب وسلاح المقاومة.
فالأول هو سلاح ميليشيوي استخدم في التقاتل الداخلي طوال سني الأزمة ولا يزال يستخدم في بعض الأحيان. أما الثاني فهو سلاح قاوم إسرائيل ولا يزال وحرر الأرض من الاحتلال عام 2000 ثم صد عدوان 2006 وتصدى ببسالة منقطعة النظير للعدوان الأخير منذ أيلول 2024 وقبل ذلك في "حرب الإسناد" التي شنتها المقاومة دعمًا لقطاع غزة في مواجهة الحرب الجهنمية التي تتعرض لها منذ تشرين الأول 2023 وحتى اليوم.
ربما يقول قائل أن على الأحزاب أن تسلم ما لديها من أسلحة إلى الدولة، لأنه سلاح ميليشوي عير شرعي، أو على الأقل لأنه سلاح فقد مبرر وجوده منذ أن تم إنهاء حالة الحرب بموجب "اتفاق الطائف" لعام 1989 من القرن الماضي تطبيقًا لأحد بنود هذا الاتفاق. ولكن سلاح المقاومة شرعه اتفاق الطائف عندما قال بحق لبنان في تحرير أرضه المحتلة من الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل المتاحة، كذلك شرعته بيانات الحكومات المتعاقبة منذ عام 1989 وحتى اليوم. وفي هذه الحال لا يمكن التعامل معه على أنه سلاح ميليشيوي، وإنما سلاح طرد الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي يجب تحديد دوره ومصيره ومن خلاله وضع استراتيجية للدفاع الوطني.
ويذكر معنيون بملف السلاح، جنبلاط وآخرين، أن سلاح المقاومة لم يستخدم يومًا في الداخل كما يروجون دوماً حتى في واقعة 7 أيار 2008 التي كانت من تدبير جنبلاط وزملائه القدامى في ما كان يسمى فريق 14 آذار، وهو اعتذر لاحقًا شارحًا، كيف تم تدبير الذريعة لكي يتخذ مجلس الوزراء قرارًا في شأن شبكة اتصالات المقاومة وهو القرار الذي تسبب بأحداث 7 أيار 2008 التي انتهت بمؤتمر الدوحة الشهير.
ولذلك يرى المعنيون أن خطوة جنبلاط على رغم نيتها الحسنة الظاهرة لجهة نزع السلاح غير الشرعي، وهو مطلب جميع اللبنانيين، ربما تكون سببًا لتفجر خلافات داخلية خصوصًا إذا ما ربطت بسلاح المقاومة وهي خلافات قد يستفيد منها الساعون إلى نزع سلاح المقاومة قبل زوال الاحتلال الإسرائيلي وتطبيق القرار الدولي 1701 والعودة إلى اتفاق الهدنة المعقود في آذار عام 1949 الذي يغني لبنان عن أي معاهدة سلام أو تطبيع مع إسرائيل. فهل يراد نزع سلاح المقاومة الآن وإجبار لبنان على التطبيع مع إسرائيل.. فلننتظر لنرَ.