محمد علّوش - خاصّ الأفضل نيوز
تتزايد في الأيام الأخيرة الأحاديث عن "انسحاب مفاجئ" قد تقدم عليه إسرائيل من النقاط التي لا تزال تحتلها جنوب لبنان، وبينما تبدو هذه التسريبات للوهلة الأولى كأنها بارقة أمل لتهدئة قابلة للصمود، إلا أن تفكيك خلفياتها يكشف عن مشهد أعقد بكثير، يرتبط بحسابات إسرائيلية دقيقة، وضغوط أميركية متصاعدة، وواقع لبناني ميداني وسياسي متوتر.
بحسب مصادر مطلعة على أجواء لجنة مراقبة وقف إطلاق النار التي عقدت مؤخراً اجتماعاً لها بعد جمود دام لثلاثة أشهر تقريباً، أبلغت إسرائيل بشكل واضح المعنيين، أنها "لن تخرج من أي نقطة جنوبية قبل التوصّل إلى اتفاق كامل يشمل نزع سلاح حزب الله في الجنوب"، وهو المطلب الذي يشكّل أساس الخطاب الإسرائيلي منذ انتهاء الحرب الأخيرة، وشرطها المسبق لأي تراجع ميداني، وهو الخطاب الذي ينسف حتى الإيجابيات التي شعر بها لبنان بعد زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك إلى بيروت.
بالمقابل، الموقف اللبناني لا يقل وضوحاً، وهو لا يزال عند نفس الموقف منذ السؤال الأول الذي طُرح على الرئاسات اللبنانية، حيث ينص الموقف على أن لا حديث عن أي خطوات أمنية أو سياسية قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كافة النقاط المحتلة ووقف الاعتداءات اليومية والخروقات البرية والجوية والبحرية، وهو ما يجعل أي محاولة لفرض شروط على لبنان مرفوضة من الأساس.
قد لا يعبّر الموقف الإسرائيلي داخل اللجنة عن حقيقة الواقع أو عن الصورة كاملة، ولكنه بالتأكيد يعبّر عن الرغبة الإسرائيلية التي لا تقتصر على استمرار احتلال النقاط الخمس إنما احتلال كل جنوب الليطاني، رغم ذلك ترى مصادر سياسية متابعة أن "الانسحاب المفاجئ، إذا حصل، لن يكون نابعاً من رغبة إسرائيل بـ"التهدئة"، بل بسبب الضغط الأميركي الذي لا يبدو أن إشارات حصوله متوافرة اليوم، علماً أن هناك من يعتقد أن نتنياهو أصبح مديناً لترامب بعد تدخله لإنقاذه من خسارة كانت أكيدة في الحرب مع إيران.
بالنسبة إلى المصادر فإن أهداف إسرائيل لم تتغيّر، فهي تريد تحجيم حزب الله، دفعه إلى الوراء، وتفكيك البنية العسكرية، بالتالي، أي انسحاب في التوقيت الراهن، قبل تحقيق هذه الأهداف، قد لا يخدم هذه الأهداف، وربما يُفهم إسرائيلياً كتنازل ميداني، ويُوظَّف داخلياً ضد حكومة نتنياهو، ولكن ماذا في حال حصل الانسحاب بضغط أميركي؟
في الكواليس، يدور نقاش واسع حول مدى قدرة واشنطن على فرض قرار انسحاب جزئي أو كامل على الحكومة الإسرائيلية، وبحسب المصادر "، صحيح أن الإدارة الأميركية تضغط لتجنّب الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تجرّ المنطقة كلها إلى المجهول، لكنها في الوقت ذاته تصطدم بواقعين صلبين فيما يخص لبنان، تعنّت حكومة نتنياهو اليمينية التي تخشى من تبعات أي "تراجع"، وتمسّك لبنان بمعادلة "لا تفاوض ولا ضمانات قبل الانسحاب الكامل ووقف الاعتداءات".
في كل الأحوال، إن الانسحاب الإسرائيلي -إن حصل - يجب أن يكون كاملاً، واضحاً، مترافقاً مع ضمانات أمنية وسياسية حقيقية، وإلا فسيبقى الجنوب ساحة مفتوحة للمفاجآت، والميدان وحده سيحسم لغة التفاوض ومآلات الحرب والتهدئة على حدّ سواء.