كريستال النوّار - خاصّ الأفضل نيوز
مسلسل الإبادة الجماعيّة بحقّ الشعب الفلسطيني ما زال مستمرًّا، وهذه المرّة بأساليب لا تمتّ إلى الإنسانيّة بصلة.. وكأنّ ما فعلوه حتّى الآن قريب من الإنسانيّة!
كيف يُمكن أن ننسى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بعد أيّامٍ قليلة من "طوفان الأقصى"، عندما أعلن حصار غزة من أجل محاربة "الحيوانات البشريّة"، وقال: "لا كهرباء ولا طعام ولا وقود"! هذا الوصف ما هو إلا حلقة في سلسلة عبارات عنصريّة وتحريضيّة استخدمتها القوى الاستعماريّة في السابق، لتمرير السياسات الوحشيّة ضدّ السكان الأصليين.
مراكزُ المساعدات: مصيدة بشريّة
في هذا الإطار، يُشير العميد المتقاعد حسن جوني إلى أنّ "مراكز المساعدات تحوّلت إلى مصيدة وسط عمليّات القنص والقتل المباشر، ويبدو أنه يتمّ التعامل مع هذه المراكز وكأنّها مصيدة كمائن يتمّ من خلالها استهداف أشخاص معيّنين وأحياناً بطريقة عشوائيّة".
ويُضيف جوني في حديثٍ لـ"الأفضل نيوز"، أنّ "التّعامل مع المجتمع الفلسطيني في غزة يندرج إجمالاً تحت عنوان "التعامل اللاإنساني"، إذ يعتبر الجيش الإسرائيلي أنّ الموجودين في غزة ليسوا بشراً، وقد ذكروا هذا الأمر أكثر من مرّة قائلين إنّهم مخلوقات تُشبه البشر ولكنّها ليست كذلك".
الإسرائيليّون يتسابقون في التحريض على سكان غزة خصوصاً وجميع الفلسطينيين عموماً، ويتحدّثون لغةً واحدة وهي السّحق وإبادة هذا الشّعب. وعلى الرّغم من أنّ الحيوانات تحظى عموماً بتقديرٍ ورعاية قد تفوق رعاية الإنسان، فإن "الحيوانات" التي ينتقم منها الإسرائيليّون، تواجه اليوم أشرس عقابٍ جماعيّ في تاريخ الاعتداءات على هذه الأرض. فقد أعلن ضباط وجنود إسرائيليون، وفق ما نقلت "هآرتس"، أنّ المقاولين يتلقّون 5 آلاف شيكل لهدم كلّ منزل في غزة، وكلّ دقيقة تمرّ بلا هدم يعتبرونها خسارة. كما كشف هؤلاء أنّهم تلقّوا تعليمات بإطلاق النار على فلسطينيين قرب مراكز تقديم المساعدات في غزة، لم يكونوا مسلّحين ولم يشكّلوا أيّ تهديدٍ لأحد.
من هذا المنطلق، لم يستغرب جوني ما يحصل في مراكز المساعدات من جرائم: "التعامل مع الفلسطينيين وحشيّ وتغيب عنه أدنى معايير الإنسانيّة".
قتلٌ وحصار وتجويع... ومخدرات
وسط استمرار القصف من كلّ حدبٍ وصوب، وبينما يسعى سكّان غزة إلى البقاء "أحياء" وإطعام أطفالهم من خلال التّهافت على مراكز المساعدات، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأنّ أقراص "أوكسيكودون" (Oxycodone) خُلطت داخل أكياس الدّقيق، حيث تمّ العثور على بعض منها في الأكياس الموجّهة للفلسطينيين.
"كلّ شيء مُتوقّع منهم"، يقول جوني: "من غير المستبعد أن تكون هناك محاولات إضرار وأذى للمستفيدين من المساعدات، وهذا يستدعي تأكيداً من الأمم المتحدة لأنّه يندرج تحت عنوان جريمة حرب".
ويُتابع: "لا أستغرب أن تكون هناك مواد أخرى يصعب اكتشافها، ممزوجة مع المواد الغذائيّة، وربّما تكون أكثر خطورة وذات تأثير مدمّر على المدى البعيد.. كلّ شيء متوقّع منهم".
من هنا، يرى أنّ "إسرائيل تبذل جهودها من أجل القضاء على البيئة الفلسطينية، وتعتبر أن كلّ النسيج الاجتماعي الموجود في غزة يستحق القتل، وهي لا تميّز بين حماس كمقاتلين، وكمؤيدين، والمدنيين الأبرياء المسالمين الذين لا علاقة لهم بالفصائل الفلسطينية.. تتعامل مع الجميع بالطريقة نفسها، بنفس مستوى التوحّش واللاإنسانية".
ما هي "الأوكسيكودون"؟
المادة المخدّرة التي عُثر عليها في أكياس المساعدات الإنسانيّة، "الأوكسيكودون"، هي عبارة عن مادةٍ أفيونيّة تُشبه المورفين، وتُستخدم لتخفيف الآلام الشديدة التي يُعاني منها المرضى بعد العمليات الجراحيّة.
وقد انتشر منشور لصيدلي غزاوي وضعه على "أكس"، قال فيه إنّ هذه المادة تؤثّر على مستقبلاتٍ محدّدة في الجهاز العصبي، ما يُسبّب إدماناً شديداً وانخفاضاً في معدّل ضربات القلب وتدهوراً في الوعي والإدراك. ولهذه المادة أيضاً العديد من العوارض الجانبيّة التي قد تحوّل الإنسان إلى نسخةٍ من نفسه، لا يعرفها أو لا تُشبهه.
خرقٌ لقوانين الحرب
جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل وما زالت بحقّ الشعب الفلسطيني، لا تُعدّ ولا تُحصى. وفي ما يتعلّق بمزج المخدرات مع الغذاء في مراكز المساعدات، فهذه من دون شكّ محاولة خبيثة لتفكيك النسيج المجتمعي الفلسطيني تحت غطاء "المساعدات الإنسانيّة".
فمجرّد احتماليّة خلط هذه المواد المخدّرة بالطّحين أو إذابتها داخله، يمثّل تهديداً مباشراً للإنسان، وهي سياسة مُمنهجة تهدف إلى الإبادة الجماعيّة البطيئة عبر تفكيك المجتمع من الداخل والتأثير على وعيه وما تبقّى من سلامته الجسديّة والنفسيّة.
لذلك، يُشدّد العميد جوني على أنّ هذا يندرج في سياق "جريمة حرب تحتاج إلى توثيق.. إن كان في إطلاق النار على المراكز أو في وضع المخدرات بالمواد الغذائية والطحين، بالإضافة إلى أمور كثيرة.. كلّها تحتاج إلى تدوين وتوثيق والنظر فيها من قبل الأمم المتحدة ولجان معيّنة من أجل تثبيت جريمة الحرب على الجيش الإسرائيلي وقادته، خصوصاً أنّ هناك اعترافات من ضباط إسرائيليين بأنّهم تلقّوا أمراً بإطلاق النار على مراكز المساعدات".
من المعروف أنّ الحروب "بشعة كتير" وتحصل فيها قذارات كثيرة، ولكن في العادة، عندما يحصل هناك نوع من تقديم مساعدات إنسانيّة معيّنة أو تعامل مدني مع مدنيين مسالمين، فإنّ الأمر يجب أن يخلو من أيّ عمل عسكري عدواني... وفق العميد جوني، لذلك ما يحصل في غزة يُعتبر خرقاً لكلّ قوانين الحرب.