محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
الأيام المقبلة لن تكون كسواها في روزنامة السياسة اللبنانية. ورقة الأفكار التي حملها الموفد الأميركي توماس بارّاك حطّت على طاولة الرؤساء والأجوبة مطلوبة في وقت قصير. الورقة التي تتحدّث عن "حصريّة السلاح بيد الدولة"، وتثبيت وقف إطلاق النار في الجنوب، بالإضافة إلى ملفات أخرى، تحوّلت كرة تتقاذفها أطراف الداخل والخارج، وفي القلب منها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يُعوّل عليه القيام بدور كبير في المرحلة المقبلة.
بحسب مصادر سياسية بارزة فإن الرهان الأميركي واضح، وكذلك اللبناني الرسمي، على أن برّي وحده قادر على تليين موقف الحزب، وهو نفسه كان مرتاحاً لأسلوب بارّاك "الهادئ"، مقارنة بسلفه مورغان أورتاغوس. برّي، الذي سبق وسلّم الحزب نص الورقة الأميركية، يناقش معهم اليوم بطبيعة الرد.
ما يجري في الجنوب ليس تفصيلاً. الرواية الرسمية التي ترويها المصادر تؤكّد أن حزب الله تجاوب مع الجيش في تفكيك السلاح والمراكز العسكرية جنوب الليطاني، وهذا أمر بات معروفاً، لكنه ما هو غير معروف هو تعاون الحزب مع الجيش شمال الليطاني أيضاً، من الجنوب إلى الضاحية والبقاع، كاشفة عن قيام الحزب والجيش بخطوات في هذه المناطق تتضمن تسليم الجيش أسلحة للحزب، وهو ما تعرفه الإدارة الأميركية أيضاً.
ثلاثة لقاءات عقدتها اللجنة المكلفة دراسة الرد اللبناني على الورقة الأميركية، وسيُعقد اللقاء الرابع اليوم، وتحت غطاء المشاورات الهادئة، يعمل القصر الجمهوري على تفكيك الألغام السياسية التي حملها الموفد الأميركي توماس بارّاك في جيبه. الورقة الأميركية، التي أعاد بارّاك تدويرها بين بيروت وواشنطن، ليست مجرّد "اقتراحات تقنية"، بل مشروع واضح لوضع ملف السلاح والحدود والتهدئة في سلّة واحدة، يراد من خلالها إلزام لبنان بخريطة تموضع إقليمي جديد، يلامس علاقة بيروت بكلّ من دمشق وطهران، ويفتح الباب أمام تفاهمات أكبر تحت لافتة وقف إطلاق النار.
المصادر تتحدث لـ "الأفضل" عن "إيجابية" في عمل اللجنة، وعن اتفاق على الخطوط العريضة، فيما يبقى العمل على التفاصيل الدقيقة مستمراً، وسط حرص واضح على صياغة موقف موحّد متماسك لا يفتقد للمناورة، ولا يذهب إلى كسر العصيّ في دواليب التهدئة الأميركية.
الرؤية اللبنانية التي تجري بلورتها ترتكز على قاعدة صلبة أساسها أن لا خطوات من طرف واحد، ولا تفريط بما تبقى من عناصر القوة الداخلية. لبنان، وفق ما ينقله المقرّبون من أجواء اللجنة، لا يلهث خلف اتفاقات جديدة بقدر ما يتمسّك بتطبيق ما هو قائم فعلياً، أي وقف إطلاق النار، لكن هذه المرّة بآلية واضحة تُلزم إسرائيل قبل أن يُطلب من لبنان أي التزامات إضافية.
ويؤكد المقربون من أجواء اللجنة عبر "الأفضل نيوز" أن الثوابت اللبنانية باتت محدّدة: انسحاب إسرائيلي من النقاط المحتلّة، وقف كامل للعدوان، الإفراج عن الأسرى، وضمانات دولية لأي تفاهم جديد. أما ملف السلاح، الذي يتصدّر جدول الاهتمام الأميركي، فمرتبط بهذه المقايضة لا ينفصل عنها، مع إدراك داخلي واسع بأن لا أحد يريد حرباً جديدة، لا الحزب، ولا الدولة.
في ظل كل هذا يبقى أن الموقف الأميركي لا يحمل أي ضمانات بعدم قيام إسرائيل بأي عمل عسكري أو تصعيدي، على أبواب زيارة نتنياهو إلى واشنطن مطلع الأسبوع المقبل، وقد جرت العادة أن لا تمرّ زيارات نتنياهو إلى واشنطن مرور الكرام، فهل يُحضر الإسرائيلي لمفاجأة غادرة جديدة أم تتمكن الإدارة الأميركية من إقفال الملفات الشائكة التي فتحها الإسرائيلي ولم يتمكن من إقفالها بعد؟