تقول القصة المأخوذة من أدب شمال أوروبا إن الصياد بينما ÙŠØ°Ø¨Ø Ø§Ù„Ø¹ØµÙور الصغير وعيناه تدمعان من البرد، قال العصÙور لوالده مشÙقاً على الصياد، "انظر إلى عينيه إنه يبكي ØØ²Ù†Ø§Ù‹". ÙØ±Ø¯ العصÙور الأب، "لا تنظر إلى عينيه بل إلى ما ØªÙØ¹Ù„Ù‡ يداه".
من Ø§Ù„ÙˆØ§Ø¶Ø Ø£Ù† القصة تقول إنه لا يمكننا الاستدلال على ما ÙŠÙØ¹Ù„Ù‡ ØµØ§ØØ¨ القوة والسلطة أو ينوي ÙØ¹Ù„Ù‡ من خلال ما يقوله أو ما يظهره من Ø¹ÙˆØ§Ø·ÙØŒ بل من خلال ما ÙŠÙØ¹Ù„Ù‡ على الأرض ÙØ¹Ù„اً، وهذا ما ينطبق تماماً على أغلب السياسيين ÙÙŠ جميع Ø£Ù†ØØ§Ø¡ العالم، Ùهؤلاء مهما علت مناصبهم ÙØ¥Ù†Ù‡Ù… يضطرون إلى اللجوء لاستخدام Ø³Ù„Ø§Ø Ø§Ù„Ø¹ÙˆØ§Ø·Ù Ø¹Ø¨Ø± البكاء ÙÙŠ مكان عام أو أمام الكاميرات. وكي لا يقع التعميم، ÙØ¥Ù† بعض السياسيين قد يملكون مشاعر Ø±Ù‡ÙŠÙØ© ØªØ¯ÙØ¹Ù‡Ù… إلى البكاء أمام الجموع من هول صدمة ما تركت أثراً كبيراً ÙÙŠ الرأي العام، ولكن سواء كان بكاء السياسي تمثيلياً أو ØÙ‚يقياً ÙØ¥Ù†Ù‡ يؤدي الدور Ù†ÙØ³Ù‡ØŒ أي إنزال السياسي Ù†ÙØ³Ù‡ من علياء موقعه إلى Ø³Ø§ØØ© المواطنين العاديين ليساويهم ÙÙŠ مشاعرهم تجاه موق٠معين، أو Ù„ÙŠØØ¯Ø¯ موقÙÙ‡ من موضوع ما بشكل أكثر Ø´ÙØ§Ùية أمام الجمهور الذي ÙÙŠ أغلبه يتأثر بمشاهد Ø§Ù„ØØ²Ù† والاستعطا٠وتنطلي عليه هذه المشاهد وتØÙ‚Ù‚ مبتغاها.
من لبنان إلى العالم... البكاء موقÙ
أخيراً، أدمعت عينا رئيس الØÙƒÙˆÙ…Ø© اللبناني الأسبق سعد Ø§Ù„ØØ±ÙŠØ±ÙŠ Ø¨ÙŠÙ†Ù…Ø§ كان يعلن أمام اللبنانيين تركه نهائياً العمل السياسي. ÙˆÙÙŠ الأسبوع Ù†ÙØ³Ù‡ØŒ بكى النائب اللبناني عن ميليشيا "ØØ²Ø¨ الله" Ù…ØÙ…د رعد، على Ø¶ØØ§ÙŠØ§ الØÙˆØ«ÙŠÙŠÙ† ÙÙŠ اليمن. وقبلهما، بكى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بينما كان يلقي بيان ØÙƒÙˆÙ…ته بسبب الانهيار Ø§Ù„ØØ§ØµÙ„ ÙÙŠ لبنان. وبكاء هؤلاء الثلاثة ليس يتيماً، بل يجاريهم سياسيون كثر ÙÙŠ مثل هذه Ø§Ù„ØªØµØ±ÙØ§Øª كل من موقعه السياسي وموقÙÙ‡ من القضايا الكثيرة والمعقدة التي تتشابك ÙÙŠ الأزمة االلبنانية.
لكن بكاء السياسيين لا يرتبط باللبنانيين القابعين ØªØØª هول مصاب بلادهم واتهام الشعب ساسته Ø¨Ø§Ù„ÙØ³Ø§Ø¯ وإيصال البلاد إلى ما هي عليه، بل هو منتشر ÙÙŠ جميع Ø£Ù†ØØ§Ø¡ العالم. ÙÙŠ تØÙ‚يقه ÙÙŠ صØÙŠÙØ© "الغارديان" البريطانية بعنوان "لعبة البكاء: هل من المقبول أن ÙŠÙ†ØªØØ¨ السياسيون ÙÙŠ الأماكن العامة"ØŒ يكتب إد كومينغ أن القادة يلجأون إلى البكاء كأداة لإقناع الناخبين بأنهم كما أرادوهم وعلى الأساس ذاته الذي انتخبوهم عليه، أي إنهم مثلهم أناس "عاديون" Ùˆ"ØÙ‚يقيون" يملكون مشاعر أيضاً، ولا ÙŠÙكرون بمصالØÙ‡Ù… Ùقط، بل يستخدمون عواطÙهم خصوصاً خلال العقد الماضي بعد ÙØ¶Ø§Ø¦Ø "ويكيليكس" وأخواتها الكثيرة، والتي أدت إلى هبوط الثقة بالسياسيين إلى درجات دنيا، إذ بدوا وكأنهم يعلنون مواق٠أمام العلن ومن ثم يتÙقون على عكسها ÙÙŠ المجالس الضيقة أو عند التنÙيذ. ÙØ¬Ø§Ø¡ البكاء كوسيلة دعائية جديدة لإعادة الاعتبار للسياسي بكونه بشرياً يملك من المعاناة والمشاعر ما يملكه العامة من الناس.
امرأة ØØ¯ÙŠØ¯ÙŠØ© وتبكي؟
بكى ونستون تشرشل كثيراً ÙÙŠ الجنازات، وعندما Ø£ØµØ¨Ø Ù…Ø³ØªØ´Ø§Ø±Ø§Ù‹ØŒ وعندما صÙÙ‚ له البرلمان بعد خطابه الذي دعا Ùيه إلى الصمود خلال قص٠الألمان العاصمة لندن، ØØªÙ‰ إن الإعلام الإنجليزي الساخر أطلق عليه لقب "الطÙÙ„ الباكي". وعندما بكى خلال زيارته لملجأ من الغارات الجوية ÙÙŠ إيست إند عام 1940ØŒ صرخت امرأة، "إنه يهتم ØÙ‚اً. إنه يبكي"ØŒ كما يذكر كومينغ ÙÙŠ تØÙ‚يقه.
وهناك ما يشبه Ø§Ù„Ø·Ø±ÙØ© بأن بكاء وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون ÙÙŠ الانتخابات التمهيدية ÙÙŠ نيو هامبشاير عام 2008ØŒ ساعد ÙÙŠ إثبات أنها كائن بشري، بعدما كان تداول ناشطون من Ø£ØµØØ§Ø¨ نظريات "المؤامرة" مقولات غريبة عن أنها من الزواØÙØŒ والدليل أن عيونها لا ترمش. أما بكاء الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أثناء ØØ¯ÙŠØ«Ù‡ عن Ù…Ø°Ø¨ØØ© ساندي هوك ÙÙŠ عام 2016ØŒ Ùقد اعتبر لدى معظم المواطنين بأنه دليل على مدى تأثره بتلك Ø§Ù„Ù…Ø°Ø¨ØØ© وباستخدام Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ø§Ù„Ù…ØªÙلت ÙÙŠ الولايات Ø§Ù„Ù…ØªØØ¯Ø©ØŒ بينما اعتبر المØÙ„لون السياسيون ØÙŠÙ†Ù‡Ø§ هذا البكاء Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ø§Ù„Ø£Ø®ÙŠØ± لأوباما ÙÙŠ مواجهة كارتيل شركات Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ø§Ù„ØªÙŠ تمنع تقدم مشروعه ØÙˆÙ„ Ø§Ù„ØØ¯ من بيع Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø Ø§Ù„ÙØ±Ø¯ÙŠ Ø§Ù„Ù…ØªÙلت ÙÙŠ معظم الولايات. ÙØ¨Ø¹Ø¯Ù…ا ÙØ´Ù„ ÙÙŠ هذه المواجهة قانونياً ÙˆÙÙŠ الكونغرس، لجأ إلى الوسيلة الأخيرة وهي شد العصب الشعبي ØÙˆÙ„Ù‡ ÙˆØÙˆÙ„ قضيته، عبر الدموع المكبوتة ذات التأثير الأكبر من الإجهاش بالبكاء، ÙØ¯Ù…عة تكرج على الخد مع غصة ÙÙŠ الØÙ†Ø¬Ø±Ø©ØŒ وعدم القدرة على الكلام، تترك تأثيراً معدياً بشكل سريع ومباشر على المتابعين أو المشاهدين. ولكن ليس الجميع مر على دموع أوباما مروراً كريماً، بل ØÙ„Ù„ بعضهم ÙƒÙŠÙ Ù…Ø³Ø Ø¹ÙŠÙ†ÙŠÙ‡ بالاتجاه المعاكس وكأنه ÙŠØ³ØªÙØ² الدموع من عيونه، بل وذهب بعضهم إلى اتهامه بوضع منتول على وشاØÙ‡ الذي ÙŠÙ…Ø³Ø Ø¨Ù‡ عينيه. ÙØ¨ÙƒØ§Ø¡ السياسيين لا يمكن قبوله على أنه ØÙ‚يقي بسهولة، مع العلم أن أوباما بكى ÙÙŠ مكان عام خمس مرات أثناء ولايته.
البكاء المضر
ولكن البكاء ÙÙŠ الأماكن العامة قد يكون مضراً، أو يأتي بنتائج عكس المرجو منها، ÙØ¨Ø¹Ø¯Ù…ا Ø§Ø¹ØªØ±ÙØª رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر ÙÙŠ عام 1978 بأنها تبكي Ø£ØÙŠØ§Ù†Ø§Ù‹ ÙÙŠ المنزل بعد يوم عصيب، بات لقب المرأة Ø§Ù„ØØ¯ÙŠØ¯ÙŠØ© ÙØ¶Ùاضاً عليها، بل وتمت مهاجمتها ÙÙŠ وسائل الإعلام على بادرة الضع٠التي أبدتها، بعدما كان المجتمع الإنجليزي Ø¨ØØ§Ø¬Ø© إلى أعلى طاقات الدعم ÙÙŠ ØÙŠÙ†Ù‡ØŒ وهي التي كانت تضخها Ùيه، ÙØ¬Ø§Ø¡ اعتراÙها كخطوة ناقصة ÙÙŠ مسيرتها. أما بعض المرشØÙŠÙ† لمقاعد الكونغرس الأميركي الذين ØØ§ÙˆÙ„وا البكاء ÙÙŠ ØÙ…لاتهم الانتخابية، Ùقد كلÙهم الأمر ترشيØÙ‡Ù… كله لأنه بان عن ضع٠لا عن Ø¹Ø§Ø·ÙØ© ÙÙŠ Ø§Ù„Ù„ØØ¸Ø© التي وقع Ùيها، كما ØØµÙ„ مع إد موسكي ÙÙŠ الانتخابات التمهيدية Ù„Ù„ØØ²Ø¨ الديمقراطي عام 1972.
غير أن بكاء السياسيين عموماً يؤدي إلى نتائج إيجابية، بسبب تأثير العدوى العاطÙÙŠ الذي يتركه ÙÙŠ Ù†Ùوس متلقيه من الناس الذين قد يدمعون لأقل مشهد ÙÙŠ مسلسل ØªÙ„ÙØ²ÙŠÙˆÙ†ÙŠ Ù…Ø§. الرئيس البرازيلي السابق لولا دا Ø³ÙŠÙ„ÙØ§ØŒ الذي كان عاجزاً عن إيقا٠دموعه بعد نبأ Ùوز بلاده ÙÙŠ Ø§Ø³ØªØ¶Ø§ÙØ© الأولمبياد، Ø±ÙØ¹ نسبة شعبيته بين البرازيليين أرقاماً كثيرة، خصوصاً أن بكاءه تزامن مع تØÙ‚يق نصر للشعب البرازيلي العاشق لكرة القدم. وهنا يمكننا القول إن بكاء السياسي لا بد أن يكون مقروناً Ø¨ØØ¯Ø« مهم جداً، وإذا كان انتصاراً كان ذلك Ù„ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø³ÙŠØŒ ÙØ§Ù„بكاء مرتبط بظروÙÙ‡ ومكانه وتوقيته.
ÙÙŠ "الغارديان" أيضاً، يكتب ليو بندكت أنه لم ÙŠØ³ØªÙØ¯ أي سياسي من البكاء أكثر مما Ø§Ø³ØªÙØ§Ø¯Øª هيلاري كلينتون، وكان ذلك ÙÙŠ يناير (كانون الثاني) 2008ØŒ ÙÙŠ مطعم ÙÙŠ نيو هامبشاير بعد أن تراجعت عن أوباما ÙÙŠ السباق على ØªØ±Ø´ÙŠØ Ø§Ù„ØØ²Ø¨ الديمقراطي. ØÙŠÙ†Ù‡Ø§ سألها Ø£ØØ¯ Ø§Ù„ØµØØ§Ùيين "كي٠يمكننا أن Ù†ØØ§Ùظ على ØªÙØ§Ø¤Ù„نا ومظهرنا أمام الناس؟". وبدا أن السؤال أتى ÙÙŠ وقت غريب، إذ تأخرت هيلاري عن الجواب وكأنها منشغلة ÙÙŠ متاهات Ø£Ùكارها، ثم أجابت بغصة، "لقد Ø£ØªÙŠØØª لي العديد من Ø§Ù„ÙØ±Øµ من هذا البلد، أنا Ùقط لا أريد أن أرى أننا نتراجع إلى الوراء، كما تعلم". ثم Ø®ÙØª صوتها. لقد بدا الأمر كله وكأنه Ø´Ùقة على الذات. لكن هذه الشÙقة على Ù†ÙØ³Ù‡Ø§ وإظهارها مشاعرها المتألمة أثبتا للجمهور المتشكك أنها امرأة ذات مشاعر بعدما بدت خلال ØÙ…لتها الانتخابية كأنها امرأة من Ùولاذ لا تكل ولا تمل ولا تتعب.
وتقول إليزابيث بيلي ÙˆÙˆÙ„ÙØŒ الأستاذة المساعدة ÙÙŠ السلوك التنظيمي ÙÙŠ جامعة باريس، "يبدو كلا الجنسين Ø¶Ø¹ÙŠÙØ§Ù‹ عند البكاء، لكن الأمر أسوأ بكثير بالنسبة إلى الرجال لأنه يتعارض بشدة مع المعايير المكرسة". وبالطبع ÙØ¥Ù† امرأة تبكي ÙÙŠ مكان عام قد لا يستدعي الكثير من القلق، ÙØ§Ù„مرأة عاطÙية وتشعر بالضغط سريعاً كما هو متعار٠عليه اجتماعياً، أما بكاء رجل ÙÙŠ مكان عام، ÙØ³ÙŠÙƒÙˆÙ† ذا وقع أكبر، وسيثير كثيراً من الانتباه، بسبب المعايير Ù†ÙØ³Ù‡Ø§. وهذا ما ينطبق على السياسيين نساءً ورجالاً، وبالتأكيد بالربط مع سبب هذا البكاء ووقته ومكانه. ÙØ¨ÙƒØ§Ø¡ رئيس ÙØ±ØØ§Ù‹ لأن بلاده ØµÙ†ÙØª ÙÙŠ أعلى Ù„Ø§Ø¦ØØ© الدول المرÙهة مثلاً، سيكون سبباً Ù„Ø±ÙØ¹ منسوب شعبيته، ولكن بكاؤه بسبب Ùقر مواطنيه، Ùهذا مجلبة للسخرية بالتأكيد.