د. مهدي عقيل - خاصّ الأفضل نيوز
مؤخراً، احتل موضوع احتمال انتقال قيادة "حماس" من قطر إلى بلدٍ آخر حيزاً كبيراً من الحوارات والتحليلات، إثر تعثّر المفاوضات بين الأولى وإسرائيل، واتهام الدوحة في وقوفها إلى جانب حماس وعرقلة الوصول إلى أي حل.
وتحدثت شبكة "سي إن إن" الإخبارية، في 18 الجاري، عن أن وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، وجه "رسالة صارمة" إلى قطر في وقت سابق هذا الشهر، طالبها فيها ب"الضغط على قادة حماس من أجل التوصل لاتفاق أو المخاطرة بطردهم من العاصمة الدوحة".
قد يكون ما قيل بحق القطريين صحيحاً، رغم أنه ثمة انطباع بأن الوسطاء العرب، سواء القطريين أو المصريين يمارسون ضغوطاً على حماس للقبول بأكثر من طرح تمّ تداوله مع الأميركان. لكن السؤال الأساسي هنا، هل سيجري الضغط على الشيخ تميم بن حمد لطرد قيادة حماس من أراضيه، سواء إلى تركيا الأكثر احتمالاً إذا ما حصل ذلك، أو إلى أي بلدٍ آخر؟
تعود العلاقة بين قطر وحماس إلى العام 2006، والتي حصلت بناءً على طلب أميركي بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وتمّ استخدام المكتب السياسي لحماس بشكل متكرر في جهود الوساطة الرئيسية المنسّقة مع إدارات أميركية متعددة لإرساء الاستقرار بين غزة وإسرائيل. وراحت تضطلع الدوحة بهذا الدور، لا سيما بعد انتقال كافة قيادات حماس من سورية إليها عام 2012 على وقع الثورة السورية ووقوف حماس إلى جانبها.
عليه، لا أعتقد بأن ثمة دولة في المنطقة تتمتع بعلاقة من هذا النوع مع حماس بعد مرور تلك السنوات التي شهدت الكثير من التعاون. بحيث أمست قطر داعماً مالياً رئيسياً وحليفاً لحركة حماس الفلسطينية؛ فقد حوّلت قطر أكثر من 1.8 مليار دولار إلى حماس.
ومن جانب آخر، لقطر باع طويل في الوساطات، وساعدها في ذلك شبكة علاقاتها الواسعة التي تجمع الأضداد بل الأعداء، فهي على العلاقة جيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران في آن واحد، وعلى علاقة مع منظمات مصنّفة "إرهابية" في اللائحة الغربية السوداء، منها حماس كما أسلفنا، وكذلك مع حركة طالبان في أفغانستان وحزب الله في لبنان. لذلك تمكنت من إبرام العديد من الاتفاقات في لبنان والعراق والصومال ودول أفريقية وأخرى آسيوية. وأبرز واهم وساطة اضطلعت بها الدوحة، وما زالت، هي توسّطها بين إيران والولايات المتحدة، إضافة لما حقّقته خلال الحرب الأوكرانية – الروسية من تبادل للأسرى أو لفتح ممرات إنسانية.
في الخلاصة، لا يبدو أن الولايات المتحدة بصدد التخلي عن الدور القطري في المنطقة، لا سيما فيما خصّ حماس، إضافة إلى تميُّز الدوحة بقدرتها على دفع المال الذي تحتاجه مختلف القضايا العالقة التي تجري من حولها المفاوضات، فبعد أن تضع حرب غزة أوزارها مثلاً، سوف يكون الدور الرئيسي للجهات التي تدفع المال لإعمار غزة. وبالتالي، مهما استاء الإسرائيلي، وحتى الأميركي، من تصرفات قطر في ملف المفاوضات بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة وإتمام عملية تبادل الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، لا اعتقد بأن واشنطن بوارد أن تضحي بالدوحة مهما بلغ امتعاضها منها، قطر حاجة أميركية في غزة وفي المنطقة لا يستغنى عنها.