د. علي ناصر - خاصّ الأفضل نيوز
تقود الولايات المتحدة الأمريكية العالم وفقاً للاستراتيجيات التي تحقق الهيمنة والنفوذ، وتتصارع مع مجموعة من القوى الدولية الصاعدة، أو تلك القابلة لتحقيق خرق في بنية النسق الدولي القائم وهي دول ترفض الواقع الدولي القائم حالياً وتدعو إلى إدخال تعديلات عليه. أكثر من ذلك تعمل هذه الدول على تبني اتجاهات مختلفة تتراوح بين تعزيز القدرات الذاتية، وبناء تحالفات خارجية، وتعزيز تواجدها وفعاليتها في قلب المؤسسات الدولية القائمة، حيث تتبنى الصين هذه الاتجاهات من أجل الحد من الهيمنة الأمريكية.
يتسم النسق الدولي القائم حالياً على آليات عمل صممت على قياس الهيمنة الأمريكية. فالمنظومة الدولية القائمة الآن تمتلك قدرة على الهيمنة السياسية الدولية بفعل آلياتها المتمثلة بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية. إلى جانب ذلك تفرض هذه الجهة سطوتها السياسية على كافة النزاعات الدولية من الصراع في الشرق الأوسط إلى الصراع بين روسيا وأوكرانيا. والجدير بالذكر أن الصراعات والحروب الدولية إضافة إلى المساعدات الدولية تظهر الولايات المتحدة كمقرر أساسي.
والآلية الثانية تظهر بالاستفادة من الاقتصاد والتحكم بالحركة التجارية العالمية والأسواق الدولية وحركة العرض والطلب والشراء والبيع وسلاسل التوريد والقدرة على خلق منظومة تجارية تخلق قوانين وقوة احتكار عالمية تسيطر بنتيجتها الولايات المتحدة على حركة تدفق المنتجات والبضائع التي تحرك اقتصادات الدول وفي مقدمها النفط ومشتقاته.
أما الآلية الثالثة فهي القدرة على خلق تحالف عسكري يغطي القارات كافة، إضافة إلى القدرة على الانتشار العسكري على مستوى العالم، حيث القوة العسكرية الأمريكية تظهر من وجود أكثر من 700 قاعدة عسكرية أمريكية تنتشر في 80 دولة في العالم وهذه القواعد برية وبحرية وجوية، وفي السياق ذاته تقيم الولايات المتحدة الأحلاف العسكرية التي تشمل القارة الأمريكية وتغطي القارة الأوروبية وآسيا بالإضافة إلى المحيط الهادئ والأطلسي والهندي.
إعادة تشكيل المؤسسات الدولية
تأخذ الهيمنة الأمريكية الطابع المالي كونها أكبر مساهم مالي في مؤسسات الأمم المتحدة مما يعطيها القدرة على ممارسة النفوذ السياسي داخلها, إضافة إلى ذلك تملك الولايات المتحدة مجموعة من التحالفات داخل المنظمات الدولية يعطيها قدرة على صناعة القرارات وتشكيلها بما يناسب مصالحها. وتظهر القوة الأمريكية باستعمال التعيينات الإدارية داخل المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة أو حلفاؤها. ومن أجل مواجهة ذلك تعمل الصين على تعديل موازين القوى داخل المؤسسات الدولية عبر تشكيل تحالفات تشمل الدول النامية من أجل تعديل موازين القوى القائم. وتعمل الصين على زيادة تمويلها للمؤسسات الدولية وتدفع بالمواطنين الصينيين لتولي مناصب في وكالات تابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الأغذية والزراعة. في المحصلة التحول من قوة اقتصادية إلى فاعل سياسي يفرض على الصين إعادة تشكيل النظام الدولي القائم، وتغيير وتطوير المنظمات الدولية الكبرى لتعكس التوازنات القائمة في القرن الحادي والعشرين.
النسق الدولي والرفض الصيني
يمثل النسق الدولي القائم الرؤية الليبرالية-الرأسمالية للعلاقات الدولية التي تهيمن عليه مفاهيم القوة والهيمنة وتتحكم في آلياته وتفاعلاته الاقتصادية والقانونية والعسكرية والثقافية الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي عبر مجموعة من المبادئ والمؤسسات والقواعد والتحالفات التي تظهر على المستوى الدولي بسبب دول مهيمنة وأخرى تابعة، دول تفرض قوتها التجارية والاقتصادية وتعمل على الاحتكار والهيمنة. بطبيعة الحال تخرج بعض الدول لتعبر عن عدم قبولها بالواقع القائم وتعمل على تغيير البنية الهيكلية للنسق القائم. ويظهر النسق القائم نتيجة العوامل التالية:
العولمة التي يعبر عنها بالترابط الاقتصادي بين الدول وتبادل السلع والخدمات بوتيرة سريعة. المثير هنا الدور المتزايد للشركات العابرة للقارات أو المتعددة الجنسيات في مجرى العلاقات بين الدول. إضافة إلى الدور الهائل الذي يقوم به البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
وضمن هذا الإطار تعمل الصين على إعادة تشكيل التوازن الدولي بما يتجاوز الهيمنة الأمريكية عبر زيادة تأثيرها الاقتصادي والتجاري على النظام القائم، ويظهر ذلك نتيجة الدور المتزايد للصين في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ويأتي الدور المتزايد للصين انطلاقا من مبادرة "الحزام- الطريق" التي تعزز النفوذ الصيني في العلاقات الدولية والبنية التحتية، وأنشأت لذلك البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في سعي لإيجاد بديل عن البنك الدولي وصندوق النقد. تعمل الصين على خلق نسق دولي متعدد الأطراف يؤدي إلى إنهاء الطرف الواحد المهيمن، ومن أجل خلق قوى تشارك الولايات المتحدة أو تنافسها وتنهي احتكارها الدولي.
الجدير بالذكر أن الصين تعمل على بناء التحالفات مع قوى صاعدة مثل البرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا عبر منظمة "البريكس" من أجل بناء تحالف سياسي واقتصادي في مواجهة النفوذ الأمريكي.
النفوذ العسكري الصيني
يمثل النفوذ العسكري أحد مظاهر القوة الدولية، وتظهر تأثيراته باستعمال القدرة على حماية المصالح القومية للدولة نفسها، وممارسة التأثير والنفوذ السياسي خارج حدود الدولة نفسها، ويتجلى ذلك عبر حركة القوة العسكرية نفسها وقدرتها على الانتشار خارج الحدود القومية للدولة، حيث ما زالت القوة العسكرية أحد عناصر القوة الدولية ويترافق مع نفوذ اقتصادي وحركة دبلوماسية نشطة وهذا ما يظهر عبر التحركات الأمريكية التي تجوب العالم باستمرار ودون توقف.
تنتشر القواعد العسكرية الأمريكية في المفاصل الدولية التي تؤمن لها سيطرة ميدانية على الحركة العالمية.
تفتقر الصين إلى النفوذ العسكري الدولي الذي يظهر نتيجة الأحلاف العسكرية والقواعد العسكرية.
تنتشر القواعد العسكرية الصينية في دولتين فقط هما كمبوديا وجيبوتي -التي يوجد فيها أيضاً قاعدة عسكرية أمريكية، وتعمل الصين على زيادة قواعدها العسكرية خارج الصين، بينما التحالفات العسكرية الصينية قائمة مع كوريا الشمالية، ولديها مناورات عسكرية مع روسية والصين كمؤشر لحلف مشترك يفترض رؤية مشتركة لمسار العمل الدولي وهو يحتاج لعمل وجهد لم يتحقق بعد.
في المحصلة لم تتمكن الصين من تحقيق توازن مع الولايات المتحدة على صعيد التحالفات العسكرية، وتأسيس قواعد عسكرية خارج حدودها.
خلاصة
يفترض النفوذ والقيادة الدولية تكلفة اقتصادية تظهر عبر المساعدات التي تقدمها الدولة العظمى وتشمل مختلف القطاعات والفئات في دول العالم. تمارس الولايات المتحدة نفوذها عبر خلق توازن بين القوة العسكرية والاقتصادية ومؤسسات المجتمع الدولي التي تتحكم فيها وبالإضافة إلى الثقافة والدبلوماسية. الاتجاهات الصينية وحدها قد تكون مؤثرة بالحركة الاقتصادية والتجارية. القدرة على التأثير وصناعة النفوذ تفترض محاكاة القوة الصلبة والقوة الناعمة والقوة الذكية وهو عمل وجهد صيني تحتاج فيه إلى التحالفات والسياقات المشتركة مع دول تملك إمكانات وقدرات وحوافز حتى تتمكن من منافسة الولايات المتحدة الأمريكية.